Image Not Found

نحو مخرجات ناجحة

الشيخ هلال بن حسن اللواتي – عُمان

«إن العملية التعليمية والتربوية لا تقتصر على المؤسسات التعليمية التربوية بل هي عملية شاملة تشترك فيها جميع الأطياف الاجتماعية، وجميع الأفراد، فالأبوان يحملان المسؤولية بالدرجة الأولى، ثم العائلة، ثم المجتمع، وهكذا تكبر المسؤولية وتتوسع لتشمل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وكذا المراكز الدينية والقائمين عليها، وكل يحمل مسؤوليته بحسب تمثيله الإنساني والاجتماعي، وصحيح أن هذه العملية في أغلب صورها عشوائية غير منظمة ولا ممنهجة إلا أنها تساهم مساهمةً كبيرةً في صناعة شخصية الإنسان وبنحو من الأنحاء، وهذا ما يدفعنا إلى البحث عن العلة التي تقف وراء عدم النجاح المطلوب».

لا شك أن البشرية تسعى كل فترة إلى تطوير مجالاتها التي تعيش فيها وتناولها في كل شأن من شؤون حياتها، ولا شك أن مفتاح هذا التطوير هو «التعلم» و«التعليم»، والذي يعتمد كل الاعتماد على «المعلم» الذي يقوم بهذا المهمة غير السهلة.
ولا نشك أن القائمين على هذا المجال مدركون لما تحتاجه العملية التعليمية من رسم أهداف وغايات واستراتيجيات، ووضع أدوات وآليات، واعتماد المهارات والأداء اللازم، وفي الوقت نفسه عندما يرون النتائج والمخرجات فإنهم يدركون أيضًا أن هناك أمرًا مفقودًا في البين، وهو الذي أنتج ثمارًا غير متوقعة، وهذا النقص يظهر ليس بالأمر السهل ولا البسيط، إذ يظهر أنه نقص تظهر نتائجه في المراحل المتأخرة من دخول المرء إلى معترك الحياة، وإلى الساحة الوظيفية، بل ولا تُستثنى الحياة الأسرية والاجتماعية بمختلف أشكالها وصورها.

أجل.. أليس ظهور الفساد في الدوائر والمؤسسات دلالة واضحة على وجود نقص في العملية التعليمية؟!، أليس الفساد الأخلاقي الذي قد يظهر في تعاملات الجنسين في بعض مفارز الحياة يؤكد على أن العملية التربوية غير متكاملة أو غير صحيحة؟!، أليس الخروج عن الأدب الإنساني مرآة تكشف عن وجود خلل كبير في العملية التعليمية والتربوية؟!.

إنَّ العملية التعليمية والتربوية لا تقتصر على المؤسسات التعليمية التربوية بل هي عملية شاملة تشترك فيها جميع الأطياف الاجتماعية، وجميع الأفراد، فالأبوان يحملان المسؤولية بالدرجة الأولى، ثم العائلة، ثم المجتمع القبلي، ثم المجتمع المحلي، ثم المجتمع الوطني، وهكذا تكبر المسؤولية وتتوسع لتشمل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وكذا المراكز الدينية والقائمين عليها، وكل يحمل مسؤوليته بحسب تمثيله الإنساني والاجتماعي، وصحيح أن هذه العملية في أغلب صورها عشوائية غير منظمة ولا ممنهجة إلا أنها تساهم مساهمةً كبيرةً في صناعة شخصية الإنسان وبنحو من الأنحاء، وهذا ما يدفعنا إلى البحث عن العلة التي تقف وراء عدم النجاح المطلوب.

إن التركيز على الجانب العلمي سواء كان نظريًا أو تطبيقيًا غير كاف في إيجاد وصناعة المناخ المناسب لمخرجات ناجحة، إذن فهناك ما يلزمنا من معرفته وبشكل دقيق، والعلم على توفيره وبشكل صحيح في كل عملية تعليمية تربوية. ولأقرّب المطلب وبشكل دقيق أقول أن العملية التربوية والتعليمية كمثل «ألعاب ألغاز البانوراما» حيث يتطلب وضع كل شكل في محله المناسب والمنسجم معه 100%، والمؤسسات التعليمية والتربوية تتعامل مع مجموعة من الأشياء، فعلى سبيل المثال لا الحصر: الروح، العقل، النفس، البدن، الكائنات المحيطة بالإنسان، فكل منها محتاج إلى تغذية تناسبها وبدقة لا تقل عن 100%، وهذا يعني أن لا بد من التطابق التام بين المعلومات «العلمية» و«التربوية» وبين ما ذكرناه من الروح والعقل والنفس والبدن والكائنات، وهذا الاحتياج إلى الغذاء المطابق لما عليه الكائنات وشبهها لا يخضع للأمزجة أو لاعتبارات المعتبرين من أصحاب رؤوس الأموال، أو من صناع القرارات، بل هو احتياج ناشئ من صميم التركيبة الخَلقية الصناعية لكل كائن وموجود في هذا الوجود.

فإذا فهمنا هذا المطلب جيدًا ننتقل إلى معرفة الفجوة الحقيقة القائمة بين البشر، وهي التي تشكل المانع الأساسي لإتمام العملية التعليمية والتربوية بالشكل الناجح والصحيح، فهناك صحيح يوجد كم هائل من المعلومة ومن التقنيات ومن الأدوات ومن المهارات إلا أن الذي ينقصها هو تطابقها مع الاحتياجات الذاتية للإنسان من الروح والعقل والنفس والبدن، فهل هي متطابقة؟، وبأية نسبة، ولماذا؟!، وما الذي ينقصها لأجل أن يتطابق؟!، ولعل الأمر سوف يتعقد أكثر ونحن نعلم عن تشكل كل من الكائنات والعقل والروح والنفس والبدن كوحدة واحدة، وكفريق عمل واحد في هذه الحياة، ولازمه أن يكون الاحتياج حينئذ إلى غذاء موحّد يغذي العقل في عين تغذيته للروح والنفس والبدن، وبشكل معتدل من غير إفراط ولا تفريط وهذا الذي نقول فيه أن تكون المطابقة 100%، فما به الامتياز ما به الاشتراك، فهل البشرية وصلت إلى هذا المستوى من العلم الدقيق المتطابق لاحتياجات كل ما حولها من الأشياء والكائنات؟!.

فلا بد إذن أن تدرك المؤسسات التعليمية والتربوية ومن فيها لهذه الحقيقة، وصحيح أن أغلب المشتغلين في هذا القطاع الأهم والأخطر غير ملتفتين لهذا المطلب، بل واهتمام الكثير منهم هو المنصب والوجاهة والمال والحصول على وظيفة يُغطي بها مصاريفه اليومية وكفى، وأن تساعده على الزواج وبناء أسرة، وأما أن يصبح شغله الشاغل حيث تحمله لمسؤولية بناء الإنسان وصناعة شخصيته ليكون عامل بناء في الوطن حسبما تتطلبه الاحتياجات الذاتية للطبيعة الخَلقية فهذا ما تفتقره أغلب المؤسسات من هذا النوع في العالم، ولا تزال البشرية في طور البحث في دوائر تقليدية وإن تفننت على مستوى التقنيات والشكليات، فمجرد التطور الشكلي غير كاف في معرفة التطابق الدقيق، وهذا يعني أن البشرية لا تزال في مرحلة تقديم «الإسعافات الأولية» لعلاج معاناتها على مستوى التعليم وعلى مستوى التربية، ولكن أن تتعمق إلى مستوى العلاج الجذري فينطبق عليها المثل: «فاقد الشيء لا يعطيه».

فإذا فهمنا هذه المرحلة بالشكل الصحيح عندئذ تليها مرحلة البحث عن الغذاء المناسب المطابق للاحتياج الذاتي للفريق الواحد العقل والروح والنفس والبدن، بحيث يكون نحو من الامتياز الخاص ويحقق الرغبة المشتركة للجميع بشكل عادل ومعتدل من غير إفراط ولا تفريط.

إن هذه المقالة دعوة لجميع المؤسسات العلمية والتربوية وللمراكز التي تعنى بالتنمية البشرية بضرورة إعادة البنى المعرفية بناء على «الاحتياج الذاتي» الذي تنشأ عليه الكائنات على الإطلاق، ومن أهم ما يمتاز به هذا الاحتياج الذاتي هو أنه ذات الطابع الموضوعي المنصف، فلا يتمكن أي أحد من الدخول إليه لتغيير وجهته، أو للتأثير عليه، وهذا يعني أنه غير قابل للتأثير عليه فيغير من وجهته وخاصيته وامتيازه ليلويه حسبما يريده مزاجه وحزبه وتنظيمه وجهته وتوجهاته ورغباته، فهو محصن من هذه الجهة، ومنتج بجودة عالية جدًا من جهة أخرى.

ولنخرج بنتيجة ذات فائدة فنقول: إن الطبيعة التي خُلق عليها الإنسان والكائنات، والتكوين الخَلقي الذي عليه صمم الإنسان والكائنات هو الذي يحدد نوعية الغذاء لكل ما يقع في دائرة ومحيط حياة الإنسان، فلا بد من الرجوع إلى تلك الطبيعة التي خُلق عليها الإنسان وصمم عليه وجوده، فمن هنا نستطيع أن نحدد الغذاء التعليمي والتربوي الذي يناسب كلا من العقل والبدن والروح والنفس باجتماعهم وانضمامهم كفريق عمل واحد، من دون أن يكون شيء على حساب الآخر.

ولو تأملنا في القرآن الكريم فإنه قد وضع ما تحتاجه الطبيعة البشرية على الإطلاق، ومن دون إفراط ولا تفريط؛ لأنه قد جاء من خالق هذا الإنسان وهذه الكائنات، فهو كتاب يحمل المشروع الإلهي لبناء الإنسان وحضارته وعلى كل المستويات العلمية والتربوية، والتعامل مع القرآن الكريم للأسف ليس مثلما عليه هذا من ثقل علمي تربوي، فإن القرآن الكريم يحتاج إلى الانفتاح عليه بالشكل الذي عليه معارفه اللامتناهية، ولأجل الحصول على المباني المعرفية إضافة إلى الخطوات العملية لأجل الوصول إلى نجاح كبير وعظيم في عمليتي التعليمية والتربوية على حد سواء وباعتدال كامل تام، وهذا الذي وصانا به القرآن الكريم، قال تعالى: «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، وقوله سبحانه: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)، وقوله تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).